بداية وقبل الخوض في الموضوع، لابد من التأكيد على أن النقاش الجدي والمسؤول هو الوحيد الكفيل بتخطي العقبات وتجاوز سوء الفهم الذي قد يكون حصل نتيجة سلوكات أو قرارات غير مدروسة أو إنفعالية.. وبالتالي فكل ما سيحكم مناقشي لموضوع الفدرالية والحكم الذاتي الموسع للريف لن يخرج عن سياق النقاش الجدي والرصين بعيدا عن السب والشتم والقذف الذي هو في كل الأحوال ليس من شيم المناضلين فبالأحرى أن يكون من شيم المناضلين الأمازيغيين...

لا شك أن الأمر في البداية يقتضي توضيح بعض الأمور، كي لا ننساق في متاهات نحن في غنى عنها داخل الحركة الأمازيغية في مختلف تجلياتها:

-إلتزمت، بمقتضى حظر ذاتي، بعدم مناقشة أو الكتابة حول الحكم الذاتي وتناقضه مع الفدرالية، وذلك بمقتضى رغبة أكيدة في ترك الفرصة للنقاش الموعود به للخروج بصيغة توافقية بين أبناء الريف، وهو ما ألححت عليه لصاحب المبادرة ورئيس اللجنة التحضيرية فيما بعد وكذا لبعض الموقعين على المبادرة في حينه، مع وعد بأن المبادرة لن تطرح سوى بعد نقاش علني وواضح وشفاف يشارك فيه الجميع موقعين وغير موقعين... وأساسا لتجنب كل ما قد يفهم على أنه تشويش على المبادرة ومسارها، وبما أن هذا لم يحدث للأسف فإني سأدلي برأيي في الموضوع وفق الصيغة التي أراها مناسبة...

-كل الريفيين والأمازيغيين الذين يناضلون ويدافعون عن قضايا الريف والأمازيغية هم مناضلون أحرار، سواء منهم الذين تشربوا النضال في الجمعيات الأمازيغية أو في الحركة الثقافية الأمازيغية في الجامعة أو عبر الجانب الإعلامي، أو حتى من التحق منهم متأخرا بركب النضال فصادف عربة الحكم الذاتي... لذا ليس من اللائق أن نميز فيهم بين أحرار وغير أحرار...

-ليس هناك اختلاف ولا خلاف بين الريفيين الديمقراطيين وبين عموم الأمازيغيين، حول ضرورة أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، وأن يسيروا أنفسهم بأنفسهم، لكن الاختلاف كائن حول كيفية ذلك وحول طريقته، بين من يرى أفقه أوسع يشمل كل المغرب في إطار فدرالي، كل منطقة فيه تحكم نقسها، في أفق شمال إفريقي واسع، وبين من يرى أن أولويته الراهنة هي حكم ذاتي ريفي موسع، ولا يهمه ما عداه من المناطق المغربية الأمازيغية...

-نمط الحكم أو سؤال الحكم في الريف أو في عموم المغرب، يهم عموم الريفيين والأمازيغ الذين يجدون في أنفسهم القدرة على المساهمة في هذه المسارات وتفعيلها، ومن ثمة فلكل الريفيين والأمازيغيين الحق في الإدلاء برأيهم في هذه الإشكالية، وضرورة احترام رأيهم مهما اختلف أو تباعد عن تصور أي منا والذي نعتقده هو الصواب...

-أن هذا النقاش لا يجب أن يُقمع أويُمنع أويُرهب باسم وحدة تصور الريفيين للحكم الذاتي، وبإطلاق التهم على عواهنها من قبيل تشتيت الصف الريفي، لأن وحدة الرأي والتصور بمفهومها الميتافيزيقي والاستنساخي والتبعي قد تجاوزها الزمن وعفى عنها، باعتبار أنها كانت السبب المباشر والأساسي في الكوارث والاضطهادات التي عاشها الريف وعموم الأمازيغ بالمغرب بل وفي عموم تامازغا... لذا لا داعي للرهيب والتشنيع بالرأي المخالف فغالبا ما يكون على صواب في جزئه إن لم يكن في كله باعتباره يقارب الموضوع من جميع جوانبه وذلك لطبيعته النقدية في الغالب...

-الحركة الأمازيغية بالريف كانت قد حددت تصورها للدولة -وإن بصيغة أولية لكنها واضحة- بتضمينها لمفهوم الفدرالية في "ميثاق الجمعيات الأمازيغية بالريف حول دسترة الأمازيغية" الذي نظمت حوله واحدة من الأوراش الأربع التي كانت حصيلة دينامية لجنة التفعيل والمتابعة...

-معظم الفاعلين في "بيان الحكم الذاتي" كانوا ومازالوا فاعلين في الجمعيات الأمازيغية الموقعة على ميثاق الريف، فما هو السبب الذي جعلهم ينتقلون بنشاطهم من سيرورة "ميثاق الريف" بكل الزخم الذي حققه على مستوى الريف، باعتباره أول وثيقة مكتوبة تحقق هذا النوع والكم من الالتفاف لهذا العدد الكبير من الجمعيات الأمازيغية بالريف، أو على المستوى الوطني باعتبار الدور الأساسي والمكانة الكبيرة التي كانت "للجنة الريف" في إطار "اللجنة الوطنية لدسترة وترسيم الأمازيغية" منذ لقاء مكناس إلى غاية اللقاء الوطني الموسع بالناظور في فبراير 2007...

-فلماذا هذا الانتقال المفاجئ وغير المدروس من مسار "ميثاق الريف" وأفقه القريب المدى والذي كان قريب المنال أي التصور الوطني الموحد للحركة الأمازيغية حول الإشكالية الدستورية والندوة الوطنية... إلى مسار "بيان الحكم الذاتي" وما تضمنه من تغاض عن الكثير من المفاهيم والمقررات التي انبثقت عن سيرورة الميثاق؟؟؟؟ أعتقد أن التساؤل مشروع والجواب عليه هو الذي سيحدد طبيعة الحكم على هذه المبادرة...

-مفهومي الفدرالية والحكم الذاتي على طرفي نقيض، فكل من له إلمام بسيط بالقانون الدستوري وعلم السياسة والدراسات الدستورية المقارنة يدرك هذا الفرق بوضوح...

-ضجة الحكم الذاتي ظهرت مع فاتح ماي 2007 بالناظور، بعد رفع لافتة بعنوان: "الحركة الثقافية الأمازيغية بشمال المغرب تطالب بالحكم الذاتي بالريف"، وهي خطوة افتقرت للنقاش الجدي...، كما أن مضمونها غير ديمقراطي بحيث تتحدث عن مطلب للحركة الثقافية الأمازيغية بشمال المغرب ونحن نعرف الفرق بين الحركة الثقافية الأمازيغية والحركة الأمازيغيةّ، والمطلب صدر فقط في الناظور فأين شمال المغرب؟؟

-كل المناضلين الأمازيغيين بالريف شرفاء ومكافحين، رغم أوضاعهم الاجتماعية الكارثية والمأساوية، غير أن هذا لا يمنح أي قدسية لتصوراتهم السياسية ووجهات نظرهم التنظيمية، وبالتالي فمن الطبيعي أن تتعرض للنقاش والنقد وحتى الرفض... دون أن يشكل هذا أي عقدة أو إشكالية بالنسبة لهم أو لغيرهم...

هذه جملة من الأمور التي ارتايت توضيحها تجنبا لسوء الفهم أو التشويش، وذلك بغية تأسيس نقاش وحوار جدي ومسؤول وهادئ حول هذه المفاهيم لبلورة مواقف واعية وغير انفعالية، مواقف مسؤولة تتجنب إثارة واستثارة العواطف والمشاعر الحماسية في قضية تقتضي التحليل المنطقي السليم والموقف السياسي الجريئ والمسؤول.